حين تطل على«نوافذ الصمت» للشاعرة المبدعة مليحة الأسعدي وهو الديوان الثاني لها ؛ تجد نفسك أمام تجربة شعرية متميزة واعية بذاتها المبدعة /الأنثى ؛ بحصافة تختار من وجعها الأنثوي ما تريد وتصوغه بدقة العارف ؛ وجعها الذي ينساب في سياق رهافة وعيها بالألم الإنساني العام تمزج بينهما كجزيئات مادة واحدة تتوق للنجاة والتحرر والخلاص ؛ بدى لي الديوان من غلافه صرخة رزينة ضد القبح والظلام تخترقه إطلالة لنصف وجه أنثوي هو نافذة ذاته بعين واحدة تنظر للمستقبل ؛بيد أنثوية تامة الزينة تمسك برقة بوشاح تلويحة من الآمال البيضاء والطموحات الخارقة والخرافية والمتخوفة من بعض القيود المتجسدة في سلاسل صغيرة قد تكون قيودا ؛ وقد تصلح لزينة عابرة..لوحة الغلاف للفنانة التشكيلية هناء الحسيني ؛ حينما تترك نفسك لرحمة الله متهاديا بين دفتي الديوان تجد نفسك مع ثلاثة وعشرين نصا بكل منها نافذة وروح تأخذك وتتركك مذهولا لتدلف من آخر للآخر ولاتقف عند عتبة ؛ فمن صوفية الأنا الوجيعة بألم وجودي لاتملك معه غير التساؤل:
“هل سأخرج من كمدي المرمري؟
هل سأخرج من فسحة الموت
للموت
من وجعي الأبدي؟!
هل سأخرج من جسدي الأنثوي؟!”
تساؤل تالي لاستشعارها العقلاني لآلام الجوعى والفقراء بتوق خالص للتحرر بامتشاق الريح بكل قسوة ما قد تواجه ؛ بكل الوعي بما يعيقها من الخوف ومفردات الرحيل الجميل الذي يحدق بذاتها الشاعرة التي تجسد واقع المبدعة التي تحترق لتضمخ الوجود بعبير انطفائها متسائلة هل سأنجو؟
“هل سأمتشق الريح
بعد انطفائي
وأقذف مبخرةالخوف عني
وعن مفردات الرحيل الجميل.
هل سأنجو!!”
تساؤل شفاف من أنثى شاعرة تعي ذاتها وما حولها بفاتحة كهذه تمسك مليحة بيدك وتعرج في محاريب الوجود البشري بسخرية تارة من قسوة الواقع الاجتماعي متمردة عليه ؛ و بحكمة الملكة أحياناً أخرى تعالج إشكاليات الألم، تتعاطى الحزن برقة وسمو بحساسية عالية ومنطقية تستخدم المفردات النسوية التي تجعلك تماما تدرك انك في حضرة الأنثى بكل ألمها وحنانها وقوتها الأنثى التي تأبى أن تكون ظلا ؛ بجمالية خاصة بها تشرح العلاقة بين المرأة بكل رهافتها ودقتها وبين الرجل /الآخر المرآة كما تطمح إليه أي أنثى تعي ذاتها كما في نص
عودة :
“ أمطرني حبا عذريا
أمطرني عطرا وغناء
أمطرني تاريخ جنون
وأعدني منك..”
هكذا تطرح شاعرتنا ماتريده من آخرها الرجل الذي ليس غير اكتمال ذاتها الحبيب الرفيق الصديق ؛ والتاريخ بكل وجعه وخذلانه وانتصاراته وجنونه...؛ لن تجلس على قارعة وأنت في حضرة الأنثى الشاعرة مليحة تغمرك تفاصيل التقاطاتها الجمالية بعبق ممتع تجد لذة له تملأ عقلك وروحك وجوارحك فلا تستطيع إلا الوقوف مشدوها أمام كل نافذة تجد روحا وعالما لامتناهٍ أجدني في هذه الإيماءة فخورة بهذا الألق الإبداعي الشفيف مستبشرة آتياً أعمق وأجمل من إبداعات الشاعرة مليحة الأسعدي ؛ متمنية لهذا الديوان - وغيره من الإبداعات الأدبية في بلادنا - ان يجد حقه من التأمل والقراءة والدراسة النقدية العميقة .
الجمهورية
0 التعليقات
إرسال تعليق