إندفع يجري متألماً، ممسكاً ببطنه يصيح:
_ "أين هو هذا المرحاض القذر؟!!"
أشار له حارسه الأعرج جارياً أمامه في الممر:
_ "هاهو ذا فخامتكم لقد وصلنا"...

فتح الباب واندلف سريعاً ثم أغلقه بعنف،
مزق بنطاله، وجلس على المرحاض ليتبرز..

إِحْمَرَّ وجهه ضغطاً وتغاوطاًً..
زفر ببطئ وتلفت يتطلع على مايحيط به
بعينين تقطران عنجهية وغباءاًً ولامبالاة لا حدود لها..

كانت هناك نافذة على الحائط يميناً،
وأخرى على الحائط المواجه له..
ومن خلال تلك اليمنى لاحظ بأنه يستطيع رؤية الشارع العام عن قرب..
بكل ما ومن يعبره من سيارات ومارة من عموم الشعب..

تعجب، وتأفف..
ظن بأن هناك مساحة شاسعة وأسوار عالية تفصله عن كل هذا!!...

وحدث أمر غريب آخر..
فيبدو بأن النافذتين قد أخذتا بالإتساع رويدا رويدا..
وكل منهما أصبحتا بحجم نصف حائط ..

ورأى رؤوس المارة تعبر أمامه من خلف الزجاج أكثر قربا هذه المرة..

_"إذا رفع أحدهم رأسه لرءاني"!!...

"سيرى فخامتي تتغوط"!!!....

"إنسانا كالبقية"!!....

إزداد إتساع النوافذ،
وإزدادت رهبته ورجفته،
وبوجل إنكمش ضاماً ركبتيه،
واضعاً راحة يده على عورته من الخلف،
متلفتاً،
حائراً..
و... صعق عندما وقعت عيناه على عيني أحد العابرين...

_"ترى، هل رأى ما أفعله؟!!"....

"لا،
ربما ظن بأن هذا مكتبي"!!

"أوليس هو كذلك بالفعل؟!!!".....

ومع ذهوله،
وشلل لسانه عن نداء الحرس..
أصبحت النافذتين بحجم ثلث حائط، وقد إلتقيتا عند ركن الجدارين..
وأصبح المكان شديد الإضاءة..

ولاحظ بأن الكثير من المارة قد لاحظ وجوده..
ينظرون إليه بإستغراب، فيما يتحاشى نظراتهم بتوتر..

وإستحال كل ماحوله شفاف زجاجي..
جدران، وسقف..
بإختصار،
إنه على المرحاض،
في الشارع وعلى مرأى من الجميع...

تصبب عرقا،
وبدء يفتل شعرات شاربه الضخم بعنف وقلق مرعوب..

جاحظ العينين،
وقد تعرف عليه جميعهم، وحده نصف عارٍ ودون حرس....

تقدم منه رجل ويده على جيبه،
وتوقف أمامه مخرجا يده ببطئ ممسكة بشيء ما...

_"لا، أرجوك الرحمة.. لا تقتلني"!!!....

مد الرجل يده، فانتفض رعبا وأغمض عينيه ورفع ذراعيه ليحمي شيئا من وجهه..
و...

(فخامتكم..)

لوهلة ضن بأنه سمع ذلك...
أخفض ذراعيه، ونظر بخوف إلى الرجل الذي تابع قائلا:
(هلَّا سمحتم لي بتنظيف فَرْجِكُم الطاهر؟!!)..
وثمة منديل يتدلى على يده..

تنفس الصعداء، فيما إزداد الجمع إزدحاما من حوله..

((لا))....

جائت تلك الصرخة من قلب الملأ..
وظهر بعدها رجل، جاد الوجه شديد العزم..
إقترب عاقدا حاجبيه وقال:
(أي فَرْجٍ ياهذا ألا تخجل !!
ألا تعلم من هذا؟!!)...

إنهارت قواه على المرحاض،
ولم يقوى على النهوض، لعمل شيء ما..
كالفرار مثلا..

_"إنتهى أمري.."
حدث نفسه لاطما وجهه..
"إنها النهاية،
الثورة.... لقد رأوني على هذه الحال فاستيقظت غرائزهم فثاروا علي..
ويحي... ويحي...."

أغمض عينيه مرتجفا مستسلما لحتفه..

((فخامتكم..))

تطلع إلى مناديه دامع العينين، فيما تابع المنادي بجدية:
((إسمحوا لي بتنظيف "مؤخرتكم"..))
وكان يحمل منديلا في يده....

وهنا تدافع الحاضرون جميعا بالصياح

"أنا"..
"لا، بل أنا"..
"كلا، دعوه لي فسأنظفه أفضل منكم جميعا.."
"أنا.."
"أنا"...

"هدووووووووووووووووووووووء......."
صرخ بكل عظمته وقد فهم الأمر..
جفل كل من حوله، ووقف...

عقد ساعديه على صدره، ومط شفتيه بغرور
فيما نصفه السفلي عارٍ تماما،
وقال:
_"إصطَفّوا، وليتقدم كل منكم ، بنظام واحدا تلو الآخر...
هيا، طابورا واحدا .... أيها الشعب البليد.."

وهكذا..
شاع الخبر وانتشر...
وتراكم إندفاع الناس نحو الطابور الرئاسي..
وكل من لديه منديلا سعى لكسب الود..

حتى فقراء الحي كان لهم طابورا لإستلام أكياس القمح،
تركوه وهرولوا نحو طابور فخامته،
يمزقون أرديتهم ليجعلوا من نواتفها مناديلا للتنظيف..

أما خطيب الجمعة، فقد قطع خطبته هكذا:
(يا أيها المؤمنون،
بللوا مناديلكم وشيلانكم وسارعوا إلى مسح مؤخرة فخامته حفظه الرب وسدد خطاه،
فمن أطاع ومسح مؤخرة فخامته، كمن أطاع ومسح مؤخرة النبي،
ولكم الثواب والأجر...."

(أما أنا)..
مسح لحيته مفكرا..
(فكما جففت المجدلية العاهرة قدمي إبن الرب بشعرها،
فسأبلل لحيتي، وأنظف بها مؤخرة فخامته..)

فكر قليلا ثم:
(همممممممم.....
مؤخرته، أم مقدمته؟!!).




علاءالدين البردوني، روما

0 التعليقات

إرسال تعليق