إن النفس الروائي واضح تماما خلال هذه المجموعة المكونة من 7 قصص في 110 صفحة, ببنط طباعة صغير وهوامش صغيرة جدا ,حيث أن متوسط القصة الواحدة من 15 إلى 20 صفحة,وبهذا الشكل الموجود في هذه المجموعة أرى أن نزار مؤهلاً جدا لكتابة الرواية,ليس من باب الفن الأكثر توزيعا ,والأكثر شهرة,والأشد سيادية على المشهد الأدبي,ولكن من باب أن هذا الرجل لديه ما يقول وما يحكى ,لدية الثراء اللغوي والاختزال,لدية التناصات المتعددة مع التراث,لذا لابد أن نقول له لا تبخل علينا يا رجل, نحن والعراق نريدك أن تحكى عنا بالتفاصيل وبفضفضة لانهائية ,إننا نريد أن يكتبنا الصادقين والموهوبين جدا أمثالك.أننا نريد أن نقرأ أنفسنا من كتاباتكم,ونرى أنفسنا من خلال عيونكم وليس عيوننا التي لا تعرف غير البكاء.
إن التشريح كمفهوم وعمل طبي يمارسه القاص هنا بمهارة تفوق الطبيب حيث جعلته هذه المهارة يفصص الأشخاص بشكل مشابه تماما لتقشير وتشريح وتفصيص قطعة من الفاكهة مثل البرتقال وتقديمه في أفضل شكل من اجل أن يستمتع الناقد.. القارئ ..المتلقي بكامل الثمرة وكل مافيها حتى نشعر بمذاقها دون معوقات سوى الاستمتاع أولا ثم اكتشاف كل تفاصيل الحياة والشخوص وخاصة ماله اتصال من بعيد أو قريبا بالعراق,إنها طريقة نزار عبد الستار في السرد..حيث الحكى في رائحة السينما التي يطلقها علينا من العراق لتصل إلى مصر وسوف تصل إلى بقاع كثيرة في الكرة الأرضية وحتى نفهم أكثر لابد أن نقرأ ونراه وهو يقول في ص 56 "تجعله يبدو أكثر زهوا من معوق لا يملك سوى امتيازات الشفقة"هكذا يقدم بطل قصة صندوق الأمانىواصفا إياه,وفى ص57 يقول "يحقق التقدم المطلوب نحو لقب خليفة اشهر مشعوذ في تاريخ الموصل", إنها بالفعل طريقة نزار في تقديم شخوصه وأبطاله الذين يعيشون داخل الهزيمة ولكنهم يصنعون نصرهم الذي يخصهم,وبالتالي كان لابد أن تكون واحدة من أبطاله كما يقول ص 14" على صلة قوية بأحاسيسها" في قصة أبونا التي تمثل سيناريو كامل لمشروع فيلم سينمائي عن امرأة عراقية تشبه أمي المصرية حيث لا خلاف في الازمة والروح والرائحة واحدة بين مصر والعراق.
ان ملامح الأشخاص النفسية والإنسانية هي الأهم عند نزار في نحت شخوصه وأبطاله الذين يشبهوننا حيث في قصة رائحة السينما ص 24 يقول على لسان صبرية عن ابن أخيها" تأخذ منه ملابسه المتسخة برائحة السينما".
كان السرد يتخذ صوت رائق وحكى شديد الخفوت وشديد العمق عبر كل قصص المجموعة وبقدر ماهو خافت إلا انه مؤلم وواضح وضوح الجرح العراقي والإنساني العام والعربي.
إن المجموعة محملة بشعرية جميلة حيث العديد من الجمل التي يمكن أن تُكون قصائد نثر عديدة وحداثية تجعل من السهل صنع قصيدة سوف تستمتعون بها وتتألمون ومنها:
استيقظ فيه الملل
يفتتح مزادات بيع الأسرى
ضغينة فوتوغرافية
أدركت أن روحه ستطلع قبل روحها إذا لم يجد من يستثمر مواهبه التي بدأت تدمره, تذكرت أنها بحاجة إلى صور لدفتر أمراضها المزمنة.

0 التعليقات
إرسال تعليق