صورة
أنتِ ذاهبةٌ الآن إلى رجُلكِ التونسي العجوز كي يضاجعكِ ويهمس في أذنيكِ بالكلمات الإباحية وهو يعتليكِ ضارباً ردفيكِ بقوةٍ كي يداري خذلانه بين ساقيكِ في المرّة السابقة، وأنا ذاهب لأنام في غرفةٍ بفندقٍ مجهول لم أزرْه من قبل يطلّ على مجرىً مائيّ في شارعٍ غريب بأمستردام الممطرة دوماً، سيكون عليَّ أن أتمشّى معكِ حتى محطّة الترام الأخير قبل أن أودّعكِ بقبلتين سريعتين على الخدّين، وقبل أن تودّعيني بوجهٍ مبلَّل وشَعرٍ تسقط أطرافه المجعَّدة السوداء على عينيكِ العسليّتين...
تعالي نقلب الصورة...
أنا ذاهبٌ الآن إلى امرأتي التونسيّة العجوز كي أضاجعها وأهمس في أذنيها بالكلمات الإباحيّة وأنا أعتليها ضارباً ردفيها بقوة كي أُداري خذلاني بين ساقيها في المرّة السابقة، وأنتِ ذاهبةٌ لتنامي في غرفةٍ بفندقٍ مجهولٍ لم تزوريه من قبل يطلّ على مجرىً مائيّ في شارعٍ غريبٍ بأمستردام الممطرة دوماً، سيكون عليكِ أن تتمشَّي معي حتى محطّة الترام الأخير قبل أن أودّعكِ بقبلتين سريعتين على الخدّين وقبل أن تودّعيني بوجهٍ مبلّلٍ وشَعْرٍ تسقط أطرافه المجعّدة السوداء على عينيكِ العسليّتين...
هل تغيّر شيءٌ ما
في المعنى؟!
حكاية
ابنُ مجانين؛
عشرون عاماً وهو يلحّ
عشرون عاماً
وهم يرفضون
ألفَ مرّةٍ يطلب أن يسمحوا له بزراعة اللبلاب حول أسوار ساحة السجن
وما من أحدٍ يسمع
قال لهم
إن الأسوار قبيحةٌ هكذا وجرداء
فالأسلاكُ الشائكة المنصوبة فوق جدار السور العريض
تجعل المنظر بشعاً
ولا يُحتمل
وقطعُ الزجاج المكسورة وشظاياه المغروسة بين الحجارة
تخيف الطيور المهاجرة
فلا تحطّ ولا تستريح
وإن أخطأَ سربٌ وحطّ
صعقته الكهرباء قبل أن يريح جناحيه المجهدين
عشرون عاماً يا خلقُ!
دون أن يتعب أو يكلّ
هم من ملّوا في النهاية
أعطوه جذوراً سميكةً وفأساً
وصاحبُنا
لم يصدّق نفسه
بدأَ في تقليب الطين الرمليّ أسفلَ الأسوار بهمّة عشرين رجلاً
تحسّن سلوكُه
وأصبحت ساعاتُ راحته الثلاث
مسخَّرةً كلّ يوم لرعاية العيدان الرفيعة الغضّة
كبُرت النبتةُ
وبدأت تلقي بنفسها خارج الأسوار
متخطّيةً بأغصانها الطرية الأسلاك الشائكة
وملتفّةً بأوراقها المبلّلة بالندى
حول قطع الزجاج المكسورة
الحادّة الحوافّ.
لم يعد هذا الكهل الذي
قضى عشرين عاماً في الزنزانة نفسها دون أن يتغيّر
صار شاباً
ويقصّ لحيته كلّ أسبوع
يضحك لمزحات رفاقه
ونكتهم الإباحية المكرّرة
ويبتسم في وجوه حرّاس السجن الذين لم تزل آثار ضرباتهم
واضحةً على ظهره العريض
وحين بدأ نوّار أوّل زهورٍ لنبتة اللبلاب يظهر في الأعالي
كان جسمه مرمياً بإهمال فوق الطين الرمليّ
بعشر طعنات في الصدر والرقبة
وكان دمه القاني
ينزّ ببطء
فلا تترك النبتة منه
شيئا.
الحصار
ما يحيّرني
ليس الرجل الذي ظلّ صامداً بين الأسوار تحيطه الجثثُ ورائحةُ الموت من كلّ ناحية
ليس الرجلُ الذي اتخذ من جوعه سنداً ومن قلبه درعاً
ما يحيّرني
ليست السهامُ التي لا تكفّ عن الطيران عالياً قبل أن تسقط كلُّها في الموضع نفسه من قلبه، حتى أن السهام الجديدة تضطرّ إلى أن تفلق القديمة كي تنغرس عميقاً في النقطة ذاتها من قلب قلبِه...
ما يحيّرني
ليس قلبُه
قبضةُ اليد النابضة التي ظننتُ في البداية أنّ السهام القادمة من علٍ ستفتّته تماماً، وتجعل منه مصفاةً مخرَّمةً، أو تحطّمه إلى ألف قطعة
ما يحيّرني
هم هؤلاء الذين يربضون خلف الأسوار بصبرٍ لا ينقص ولا يكلّ
يفتحون أقواسهم الواسعة ويثبّتون سهامهم فيها
ثم يطلقونها بعينين مفتوحتين على اتساعهما في الشمس الحارقة
كيف كانوا يصوّبون بحقِّ الله وهم لا يرون شيئاً من الرجل القابع خلف الأسوار
كيف عرفوا موضع القلب
كي يجعلوا سهامهم
تسقط هكذا طوال الوقت
في النقطة ذاتها؟! ■
* شاعر من مصر.
* من مجموعة شعرية تصدر قريباً في بيروت.
عن النهار اللبنانية
0 التعليقات
إرسال تعليق