أنا مفكرٌ كبيرٌ أيها العالم القذر؛
لديَّ أفكارٌ عظيمة وخطيرة تحتاج إلى ترجمة، منها ما يُشعل حرباً ضروس بين الآلهة، فتنجو آلهة - ولا تنتصر- وتسقط أخرى كما سقط الإله المحنّط " لينين " بعد بيروسترايكا غورباتشوف، ومنها ما يُشعل حرباً باردةً وسباق تسلحٍٍ وتعرٍ بين الفنانات، ومنها ما يهدم أصناماً وتماثيل كما هُدمت " اللات والعزّى " ذات نبيٍ، ومنها ما يقلب الأرض على قفاها لنوسعه ضرباً فيحمرُّ كــ شـوندرةٍ مثلما يحمرُّ قفا العاهرة وهي تمارس أكل الجزر، ومنها ما يجعلكم تمارسون أكـل التفاح - الحلال - بألف طريقةٍ دون أن يحمرَّ قفاكم، وبدون كللٍ أو مللْ، ومنها ما هي خفيفةٌ كألعابٍ نارية، لا تشعل حرباً أو ثورة، من النوع الذي يزلزل العروش قليلاً.. فقط ليستيقظ النائمون على هوائنا وبرنا وبحرنا و.. وعلى ما تبقى من أيامنا وأحلامنا، ومنها ما يجعل الحياة كما الموت..فكرةً بسـيطة كأحلام الفقراء وعابرة كسرب سنونو تحملنا مرغمين إلى حيث لا نعلم .
وأفكارٌ كثيرة تملأ هذا الرأس اللعين بألف شيطان يمارس ضدي كلَّ أنواع الجنون وفنه، وتجعلني أعيش على قلقٍ " كأنَّ الريحَ تحتي "، لا أعرف كيف أترجمها إلى أرض الواقع، ولا أعرف كيف أتخلص منها، أحتاج إلى امرأةٍ خطيرةٍ بحجم أفكاري تتقن فن الترجمة، أو تتقن فن التخلص من الأفكار التي تؤرّق ليلي، وتمنعني من النوم كما ينام الحمقى وأصحاب الرؤوس الفارغة.

وهكذا كان نصُّ الإعلان الذي نشرته في أكثر من جريدة :
( مفكرٌ كبيرٌ جداً، ورث هذه المهنة عن والده الذي كان في حالة تفكيرٍ مستمر، والذي بدوره ورثها عن والده أيضاً، وهذا يعني أنه مفكر كبير جداً أباً عن جد، يملك كثيراً من الأفكار العظيمة، يبحث عن مترجمةٍ لأفكاره التي يحملها داخل رأسه، ويفضّل أن تكون مترجمة ذات جمالٍ ساحرٍ، وتتقن الرقص الشرقي )
قد يسألني أحمقٌ: ما علاقة الرقص الشرقي بالترجمة، وهو في الحقيقة سؤالٌ وجيهٌ ومهم، وهو إن دلَّ على شيء فإنه يدل على أن صاحب السؤال مهتم ومتابع لما يحصل مع هذا المفكر الكبير جداً، كما يدل على أن صاحب السؤال يملك قدرة عالية على التحمل والتجمل والتحول والتجول والتســول والتبول حتى وهو نائم، وعلى ذكر التبول أثناء النوم يســعدني أن أخبره وأخبركم أنَّ " لكل داءٍ دواء " كما قالت العربُ منذ لا اعرف من كم سنة، ولديَّ فكرة تجعل - صاحب السؤال- قادراً على التخلص من العادتين معاً - يعني التبول والنوم - وبسرعةٍ لا يتخيلها عقله أبداً، فقط عليه أن يتذكر قبل أن ينام بأن " غاليليو " قال بأن هذه الأرض التي يعيش عليها تدور بشكلٍ مستمر، وهي كروية الشكل، وفي جهةٍ ما على هذه الأرض هناك شمسٌ تشرق معلنة بداية نهارٍ جديدٍ في الوقت الذي يكون فيه هذا الأحمق مستلقياً على فراش الليل، وحتماً سينفجر دماغه ويموت قبل استيعاب هذه الفكرة، وعندها يكون قد تخلص من عادتيه، ونكون قد تخلصنا من هكذا أحمقٍ لم يسمع بعد بأن كلَّ الأشياء صار لها علاقة ببعضها البعض طالما أننا نعيش في عصر العولمة، وأن العالم أصبح قرية صغيرة، وأن فراشة ترفرف بجناحيها بغابةٍ في البرازيل قد تتسبب بعد وقتٍ في حدوث عاصفةٍ في تكســاس أو نيويورك كما تقول النظرية الفيزيائية المســماة بـــ " أثر الفراشة "، وأن رصاصةً طائشة يطلقها طفلٌ في المغرب ربما تكون حدثاً يربط ثلاث قارات مع بعضها، وتجعل أربع دولٍ تتكلم أربع لغاتٍ مختلفة وهي المغرب واليابان وأمريكا والمكسيك تتأثر بها كما قال المخرج المكسيكي المتميز " اليخاندرو غونزاليس أناريتو" في فلمه الجميل جداً " بابل ".

سأنتظر بضعة أيامٍ ريثما أعثر على هذه المترجمة أو أتخلص من هذه الأفكار التي بدأت تشكل عبئاً ثقيلاً على رأسٍ صغيرٍ كرأسي، أشعر بها الآن وكأنها إبرٌ تدغدغ الدماغ من كلِّ جانب، ربما قليلٌ من الشــراب ينعش الروح ويكون ســـبيلاً لنســـيان وجـع أعظم الأفـكار والنظريات.

" المشربُ ليسَ بعيداً " ومع معرفتي المسبقة بأن لا جدوى من ذلك، وجدت نفسي في الحانة، دون أن أنسى أخذ الجريدة وبعض الأوراق البيضاء معي، لأمارس بعض المازوشية بحق نفسي، ولأتذكر بأن هذا العالم الذي نعيش فيه ونحن في القرن الواحد والعشرين هو أكثر من قذر.
موسيقى خفيفة لــ "vangalis " وطاولاتٌ يملؤها الفراغ على غير العادة كانت كافية لطلب قارورة نبيذٍ كاملة للاحتفال بهذا الهدوء الجميل، وتدوين ما تبقى من سيرة جيلٍ كاملٍ من الهزائم والخيبة.
سيدة " بكاملِ مُشْمُشِها " تجلس وحيدةً في زاوية الحانة، تنظر كلَّ حينٍ إلى ساعتها، كأنها تنتظر موعداً تأخر أكثر من قدرتها على الانتظار، صدرها جميلٌ يتَّسع لكل المقهورين، ويفيض عن حاجة أمةٍ من المراهقين، أختلس النظر إليها وهي تشعل سيجارة بين شفتيها فيشتعل حريقٌ بين ساقي، لا أعرف لماذا يثيرني منظر سيجارةٍ بين شفتي امرأة، هل هناك إجابة ما عند " سيغموند فرويد " أو غيره من علماء النفس؟ وهل صحيح أن السـيجارة هي تعويضٌ عن فقدان ثدي الأم؟؟ وهل صحيح بأن الســيجارة وقيادة الســيارة والرقص هي وســائل لتفريغ الطاقة الجنســية؟؟؟
تقودني هواجسي الجنسية إلى تذكر صديقتي التي هجرتني مؤخراً، كانت جميلة للغاية، تشـــــبه " مونيكا بيلوتشي " وجسدها كجسد " جنيفر لوبيز "، لكنها حتى الآن لم تؤمّنْ على مؤخرتها، كان جمالها أكبر من قدرتي على التحمل، قلت لها بآخر لقاءٍ بيننا: اليوم أنت مثيرة جداً، وأنا الآن أشتهيكِ بشدة لدرجة كبيرة تمنعني من التفكير بغير ذلك، هكذا بدون مقدمات........... فهجرتني.
لا أعرف لماذا يزعجهنَّ الوضوح، ربما لأن الوضوح أصبح جريمة في عالمٍ يتقن كل فنون الكذب والخداع من أجل الوصول إلى غاياته مهما كان نوعها، حتى لو كان هذا الوصول على حساب المبادئ أو القيم أو الأخلاق متجاوزاً بذلك ما قصده " ميكافيللي " ومبدأه الشهير / الغاية تبرر الوسيلة /.
لستُ حزيناً على غيابها، فمعرفتي بها حديثة العهد، وأنا لم أعتد على حضورها الدائم معي، بالإضافة إلى أنها غبية جداً بالرغم من جمالها الساحر، وتصرُّ إصراراً شديداً على إلمامها وعلمها بكل شيء، بالفن والاقتصاد والسياسة والأدب بكلِّ أنواعه، وأنا لا طاقة لي على تحمل الغباء الذي يصرُّ على أنه ذكاءٌ نادر.
قد يشكك بعض الحمقى بما قلته عن التي هجرتني؟ سأثبت لكم أيها الحمقى صحة كلامي : كانت تظنُّ ـ وبعضُ الظنِّ إثمٌ ـ أن " رامبو " الذي حدثتها عنه كثيراً، وعن " إشراقاته " وعبقريته الشعرية والمكانة التي احتلها في تاريخ الشعر هو " سلفستر ستالون " ما غيره!!!
رحت أشرح لها غاضباً بأن " رامبو " البطل الأمريكي الذي لا يقهر، والذي يملك القدرة على دحر جيوشٍ بأكملها وحده، لا علاقة له بــ " رامبو " الشاعر الفرنسي "العابر بنعالٍ من ريح" الذي كتب الشعر باكراً، وهجره باكراً أيضاً، ليترك خلفه أثراً كبيراً في الشعر والشعراء على مستوى العالم بأكمله حتى يومنا هذا، ولأنها غبية كما قلت لكم راحت تبرر الخلط الذي وقعت به بأنه ناتجٌ عن تشابه الاسمين، مع العلم أنني كنت أتحدث معها عن الشعر وليس عن السينما!!!

كما أنها كانت تعتقد ـ وأنا من المدافعين بشدة عن حرية الاعتقاد ـ بأن الفشل الذي مني به اليسار هو نتيجة الخيانات الداخلية، والمؤامرات الخارجية التي كانت تقودها الإمبريالية العالمية وقوى اليمين المتطرف، وأن اليسار مازال - رغم خسارته – هو الأقوى حالياً بكل العالم، وهو أكبر من اليمين، وعبثاً كنت أحاول إفهامها بأن الخيانات والمؤامرات كانت موجودة، ولكنها لم تكن السبب الوحيد في سقوط الاتحاد السوفييتي وكل المنظومة الاشتراكية في أوربا الشرقية بالشكل الذي رأيناه، بل كانت هناك أخطاءٌ ارتكبت بحق النظرية الماركسية، وكان هناك استبدادٌ وحصارٌ وقمعٌ مارسته أغلب الأحزاب الشيوعية التي حكمت هذه البلدان لدرجةٍ لا تحتمل جعلت شـــاعراً كـــــ " مايا كوفسكي " يطلق على نفسه الرصاص، تاركاً خلفه ورقة كتب عليها ( إلى الجميع ها أنذا أموت الآن، لا تتهموا أحدا، ولا تثرثروا، فالميت يكره الثرثرة) كما جعلت شيطان الأدب الروسي" ايفغيني زامياتين " يتجرأ ويكتب رسالة بشكل مباشر إلى ستالين يرثي فيها حاله بعد أن أدى الاضطهاد إلى (موته الأدبي)، وعوامل أخرى اجتمعت وتراكمت لتؤدي إلى انهيارها وسقوطها بشكل كاريكاتيري، ولتؤدي لاحقاً إلى تراجع اليسار على مستوى العالم كله كما هو حاله الآن.
وبالرغم من الوقائع التي ذكرتها ظلت مصرّة على أن الخيانة والمؤامرة هما السببان الوحيدان في فشل التجارب الشيوعية، وأن اليسار الثوري مازال أقوى من اليمين المتطرف، وأنَّ "غيفارا" جديدٌ سيكبر سريعاً ويشعل ثورة حمراء تحرق كل قلاع البرجوازية، وأنا أشرح لها بالأدلة والوقائع، وهي تصرُّ على أوهامها، ولأنني فقدت قدرتي على التحمل أكثر، رحت أشلح لها ثيابي لأريها خصيتين........
واحدة يمينية متطرفة
وأخرى يسارية ثورية
ولكن المفاجأة الكبرى بالنسبة لها أن خصيتي اليمينية كانت أكبر من اليسارية!!

لم أنتبه إلى أنني أصبحت الوحيد في الحانة بعد أن غادرت السيدة التي ورطتني بكل هذه الهواجس والذكريات، وأن قارورة النبيذ أصبحت فارغة بعد أن شربتها وأنا أفكر بهواجسي الجنسية، وبصديقتي الغبية التي هجرتني بسبب الوضوح الذي أصبح جريمة في هذا العالم القذر.
و" النادلُ أطفأَ ضوءَ الحانةِ عدةَ مراتٍ لتغادر "؛ حسناً أيها النادل، سأغادر حانتكَ الآن.. سأغادر وأنا منتشياً سكران، تباً لك ولحانتك، تباً للنساء الغبيات، تباً لــ سلفستر ستالون، تباً لليمين وتباً لليسار، اللعنة على كل الأفكار، تباً للايديولوجيا،
وصباح الخير يا وجعي، صباح الخير أيتها الأحزان.....
_________________________________________________
كاتب من سورية
Abo-mhyar@hotmail.com

عن موقع " أوكسجين "
http://www.o2publishing.com/_new1.php?FileName=20100625211232

0 التعليقات

إرسال تعليق