أنتِ لديكِ طفلان من رجلينِ سواي، وأنا لديَّ طفلان من امرأةٍ سواكِ، أنتِ واسطةُ العقدِ في ترتيبِ أخوتكِ، وأنا الإبنُ البكِّرُ لفلاحينِ نازحينِ من وحْلِ الجَهالةِ إلى وحْلِ المجهولِ، تكبرينني ببضعةِ أعوامٍ، وأكبُرُكِ بسنين من الأبوَّةِ ألمحُها في عينيكِ كلَّما تكوَّرتِ كلبوةٍ فرَّتْ من الفخاخِ المنصوبةِ إلى ذراعيَّ
أُمُّكِ وأُمِّي عجوزان تشتكيانِ مساخرَ الزَّمنِ وآلامَ الروماتيزمِ، ولكلٍ منَّا لهجتُه المألوفة، وفصاحتُه التي اكتسَبها من الشَّوارعِ...
تعالي نتصارحُ؛
فوق هذا الفراشِ الواسعِ الخشنِ الذي نتخامَشُ فيه كقطَّينِ هاربينِ من بردِ الطُّرقِ المعْتِمةِ، ونحن نرتشفُ ريقينا المُملَّحينِ بالتَّبغِ والنَّبيذِ، في قبلاتٍ ساخنةٍ وبطيئةٍ تحتَ ضوءِ الشُّموعِ
أما رأيتِني حين ولدتكِ أمُّكِ وأنا أنحني فوقَ بطنَكِ، وأقطعُ بسكينٍ صدئٍ حبلَ سُرَّتَكِ الملفوفَ قبل أن تصرخي ببكائِك الأوَّلِ في هذا العالمِ؟
أما رأيتِني وأنا أمسحُ رأسَكِ الدَّافئَ من دمِ النِّفاسِ، وأزيلُ بقايا الدَّمِ المتجلِّطِ من بين فخذيكِ المزرقَّينِ؟ تقولين: "لم أركَ، لكنَّني شعرتُ بإصبعِكَ النَّحيلةِ ذات الظِّفرِ المُسودِّ وهْي تمسحُ عانتي فتنشقُّ من تحتِها شفتين حمراوين، وينبتُ بينهما لسانٌ صغيرٌ أحمرُ كالدَّمِ، سميتَه أنتَ "وردتُكَ المخفيَّةُ"
وسميتُه أنا "هامةُ الخجلِ"
لم تريني
لكنَّكِ شعرتِ بإصبعَي المسودَّةِ
ولم أرَكِ
لكنَّني شممتُكِ تحت ملاءاتي
وجسستُ نبضَكِ في الوريدِ
أسفلَ القلبِ قبل أن ينبضَ
وقبل أن ينغرسَ فيه أوَّلُ مبضعٍ للوجعِ، وقبل أن تندسَّ فيه أوَّلُ بقعةٍ سوداءَ من أثرِ الحياةِ، كنتِ بين شفتيْ أبي وهْوَ يَهِمُّ بأمِّي، وكنتُ بين نهدي أمِّكِ قبل أن يهمَّ بها أبوكِ، واليومُ تكبرُ على كفينا ورودُنا التي تجفُّّ قبل أن تتفتَّح، ونحنُ نسير منحنيّين تحت ثقلِ خشبةِ المحراثِ، وثمَّة من يضربُ ويضربُ ونحن لا نشعرُ ولا نئنُّ، وإنَّما نسيرُ كي نفتحَ خطوطاً في قلبِ التُّربةِ وندعُ للشَّمسِ مَهَمَّةَ قتلِ ديدانِ الأرضِ.
تعالي نتصارحُ؛
ثلاثُ سنينَ لحسنا فيها ملحَنا وعرقينا وماءَنا ودمَنا المراقَ
دون أن نتباعدَ أو نفترقَ
بكينا وصرخنا، شتمتُكِ وحرقتُ قلبَكِ، لعنتِني وبصقتُ عليكِ وبصقتِ عليَّ..
طفلاكِ تربَّيا في بيتي مع طفليَّ واشتريتُ لهما الهدايا واللُّعبَ والملابسَ الجديدةَ
وأنتِ حمَّمتِ طفليَّ ولعبتِ معهما فوق النَّجيلِ المُندَّى وعلَّمتِهما لهجَتكِ وهمستِ في آذانِهما بكلماتِك القبيحةِ كي يكبرا عارفين الدنيا.
صارحيني إذن،
قولي لي لماذا أصرخُ فيكِ الآن هكذا
وأنا أعتليكِ وأضربُ ردفيكِ بكفَّي كفرس لجامُها الأسودُ الطَّويلُ ملفوفٌ على يديَّ
عرقٌ ينزُّ تحت إبطيَّ
كلَّما فكرتُ في لمسةِ لسانيَ المحمومِ لحلمتكِ لورديةِ
كأنَّكِ لم تُرضعي طفليكِ
كأنَّهما لم يخرجا من بطنِكِ المدوَّرِ بعمليَّتينِ قيصريَّتينِ
وكأنَّني ما أنجبتُ ولا حمَّمتُ ولا نهرتُ ولا قرصتُ ولا نظَّفتُ
ولا بكيتُ كطفلٍ حين يمرضانِ
شامةُ كتْفكِ الأيسر
التي هي أشدُّ قتامةً من شامَةِ كتْفكِ الأيمنِ
ستدُلَّني على أوَّلِ الدَّرجِ في سردابِ روحكْ
وسُرَّتُكِ المدوَّرةُ الغائرةُ في اللحمِ سأعلِّقُ عليها مفتاحَ الحياةِ المسودَّ
شاربُ ملحِ عرقي
المعلَّقَ في رقبتي منذ ولدتني أمِّي
سأبدأُ الكلامَ من آخرِ نقطةٍ في السَّطرِ
دون فواصلَ
ولا نقطَ
ولا مساحات فارغةٍ بلا معنى
وتعالي نتصارح...
-------------------
خاص - فوضى
من مجموعة شعرية تصدر قريبا
شاعر مصري، بلجيكا
emadfouad_74@hotmail.com

0 التعليقات
إرسال تعليق