كلَّما غَزاني الهواءُ... 

اختَنقْتُ



رِقّ النوم  


كانت الأرضُ تتم دورتها الأولى حينَ اصطَدَمَتْ ببركَةٍ راكِدَةٍ فانتفَضَ منها كتابٌ كانَ أن جاءَ فيه..  


فيما يَرى النَّائِمُ :

كانَت الوردَةُ تحبو باتجاه السَّماءِ رافِعةً تيجانها له. تخْلعَ أرديتها واحِداً تلو الآخر. تتلو صلاتَها للربيعِ. تسْتحمُّ بوهجِ اللحظَةِ الأولى.. وكانَ الشجَرُ حولها يسجد..

وكانَ ذلكَ شيئاً عظيما


فيما يَرى النائِمُ :

كانَت السَّاعَةُ تركضُ خَلفَ الوقْتِ. تُشكِّلُ قاعِدةً مُغايِرةً للكَونِ. تفتِّتُ الطرقَ والالتِواءاتِ تصْنَعُ خَطّاً واحِداً وَحيداً يمشي الجميعُ إلى الفَناءِ عَليه.

وَكانَ ينظُرُ راضِياً..

وكان ذلك شيئاً عظيما


فيما يَرى النائِمُ:

كَانَت النجومُ تَرقصُ في تسبيحِها الليليّ. تَلهَجُ ألسنَتُها بحمْدِ اللغَةِ. فاصطدَمَتْ بشهابٍ ثَاقِبٍ. التقطَته نجمةٌ مُراهِقَةٌ. أعطته في لحظَةِ طيْشٍ فَلكيَّةٍ قُبلَةَ الحيَاةِ فاسْتفاقَ فراشَة.

وكانَ أن انمحى فيها مجدَّداً..

وكانَ ذلكَ شيئاً عظيما


فيما يَرى النَّائمُ :

مجدَليَّةً تفرشُ ضفائِرَها عَلى مَدِّ البَصرْ. يزرَعُه الفلاحونَ تعاويذ وأيقونات ويحصدونَ في الوقْتِ ذاته تماماً، خبزاً أسمرَ وإكليلَ شوكٍ.

وكانَ الوقتُ ظهراً معتماً..

وكان ذلك شيئاً عظيما


فيما يرى النائِمُ :

فَانوساً يرفَعُ ضوءَه للسمَاءِ. يمنَحُ الكواكِبَ خُرافَة التكوينِ فَتُزْهِرَ سيقانُها بعدَ لأي قِصصاً وأنبياءْ. ثم تبدأُ في انتِحارٍ جماعيٍّ لا ينتهي. وكانَ الكونُ مقفراً في ذلكَ النهارِ الوحيدْ..

وكان ذلكَ شيئاً عظيما

فيما يرى النائِمُ :

نخلَةً تزرَعُ أشواكَها في لقَاحٍ بَرّيٍّ مُلقى عَلى عَتبةِ مجرَةٍ بيضَاءَ تخرُجُ مِنْ خِلالِه نحلات طنانات تملأن الجرْنَ نبيذاً وعسَلْ.

وكَانَ القطافُ قد حَلَّ..

وكانَ ذلكَ شيئاً عظيما


فيما يرى النائِمُ :

جوقَةً موسيقيةً تأخُذُ اللحْنَ الأخيرَ. تُعيدُ توزيعهُ عَلى الجهاتِ المائة ,يأخُذُ اللحْنُ تشكلات نِساءٍ ورِجالٍ ذاهِلينَ بشعورٍ موحَّدَة الطولِ والملمَسِ. آخذينَ في الذَّوبان.ِ ممارسينَ فعل الخلْقِ بصورَةٍ مُغَايرةٍ.

وَكانَ الرقصُ اللغةَ الوحيدة..

وكانَ ذلكَ شيئاً عظيما


فيما يرى النائِمُ:

كَانتْ هي تمسِّدُ الرمْلَ في شَبقٍ مجنونٍ. تبحَثُ بينَ ذرّاتِهِ عَنْ بلورةٍ مائيَّةٍ تراه من خِلالها ودقاً يلوح.

وكانَ يمصُّ إصبعَه تمضية للوقْتِ..

وكانَ ذلكَ شيئاً عظيما


فيما يرى النائِمُ :

كَانَ الحلمُ يطفو على الملاءَةِ شلالَ حليْبٍ طَازجٍ. بِرائِحَةٍ طَازجَةٍ. ووَقتٍ طازجٍ. تنبُتُ مِنْ خِلالِهِ أعْشَاشٌ مألوفَةٌ..

وكانت النتيجَةُ.. زهْرةً بيضَاءَ فَقَطْ.

وَكانَ ذلِكَ شيئاً عظيما


فيما يرى النائمُ :

كانت الأرضُ والسَّماءُ رتْقاً واحِداً ثمَّ تناسَلَتا بعْدَما استَمرَّ القَمَرُ بمغازلتهما عمرا. فاسْتجابَتا لنداءِ الغريزَةِ الأوَّلِ..

وكانَت الأرضُ أرضاً بسبْعَةِ أوجُه. والسَّماءُ سماءً بسبْعَةِ أبوابْ.

وكان ذلِكَ شيئاً عظيما


فيما يرى النائِمُ :

كانت الرؤيا رجْسٌ مِنْ عمَلِ الكَهنَةِ. فلا ندع الحلمَ يغزونا أبداً حتى تَصِحَّ أبدانُنا بعدَما اعتَراها شحوبٌ مِنْ هَولِ المشْهَدِ.

حينَما كانَ الطينُ يشكِّل تكوينه بيدِه هذه المرَّة.

وكان ذلكَ شيئاً عظيما


فيما يرى النائِمُ :

كانَ الوقْتُ صباحاً جداً. الشَّمسُ بعْد لم تفقد عذريتها.. الراعي يجرُّ غنمَه للمرْعى.. الكونُ هادِئ مفعَمٌ بالسكونِ.. وهي ترشفُ فنجانَ قهوتِها على شُرفةٍ بحجْمِ الفضَاءْ.

وكانَ كِتابُ النَّومِ هذا ملقى تحتَ قدمِيها..

وكان ذلِكَ هو الشيء العظيمْ.



أتجــلى


أنا سليْلةُ البحَّارةِ المتمرِّدينَ على الشواطئ.

ابنة الموجِ والذاكرة.

آخر من تبقى ممن تَنازَل لهم شمشون عن شَعرِه فانْتفَض فتاةً بِكر

أنا آخر سلالة الأنوثَةِ الطَّازَجةِ والمعتَّقة.

أفتحُ ذراعيَ فيبدأ الكون دورته الأحادية الاتجاه.

أبتسم.. فيقطر العسل من شفاهي البكر اللعوب.

أخطو.. فتفقِد الكرة الأرضيَّة توازنها

وحينما تجلْجِلُ ضحكتي تسمع أجراس الزلازل والبراكين تخلخل أنظمة الطبقات السبع




أنا ابنة اللهو والعفاف

ابنة الفسق والطهارة

ابنة السواد والبياض

على حَدِّ إصبَعي تختلِف النُّجوم حَول تحديدِ مواقِعها الأولى.



وإنْ أغمضْتُ عينيّ

حلَّ الكسوف بالعالم حتى تتفتحا فتغرقاه أشعَّةً بِلونِ الخروب.

وحينما أرمي بخصلات شعري للوراء

يرتجِفُ الكونُ إجلالاً وخشوعاً



أنا اليوم والغد

صاحِبةُ الجلالة المتوَّجَة على عَرْشِ الفَضاء

أشيرُ بطرف عيني فتنقلب الحقولُ قمحاً وشموساً خضراء

وأنا القمحُ والشُّموس الخضراء

وأنا الحصادُ الأول

والحصاد الأخير.



اللغَةُ إيقاعٌ وحْشي

والنَّصُ سؤالُ الفَراغْ


تعْلو همهَمةُ البياضِ على رقْعَةِ الدخانِ

تنسلُّ أجنِحةُ القَلقِ في نَزقِ الشفةِ المبتورة

يدفَعُها الحنينُ لتلمسَ شقَّ الجلدِ في ليْلٍ رماديّ

تمخرُ في مدنها كوكبةٌ من غُبارٍ وفضاء

ترتقي نصَّها المدّعي


لماذا يسيطِرُ الفعْلُ المضارعُ على تفاصيل المشهَدْ؟!


وقتٌ نمتَصّه ووقْتٌ يمتَطينا

كَمْ مرَّةً أشْرعْت نافِذَتَك للصوتِ وأزعَجْت المكانْ؟!



تُشبِهُها امرأةٌ ترتَدي عبثَها

ويشبِهُها سَوطٌ يمدُّ خُطاه

وَيشْبهُها فَراغٌ بحجْمِ سُؤالِ الخلقْ

تُرى مَاذا ستنْجِبُ بَعدَ قليل؟

ضفة للسؤال.. وانفلاق البحرِ لا يتَّسع للوصول

تغيضُ قدماها كلما احترفَت المسيرَ

ويختَفي القَاعْ




تَعودُ الحِكايةُ تحلبُ ضحكتَها المفروشَةَ على امتدَادِ الزّرقَةِ

..على حَافةِ السَّوادِ

تنفُضُ يديْها مِنْ ذنوبِ الذين شَرعوا في البُكاءِ

يزعِجُها أنينُ الوثوبِ

-الدربُ مازال غَضاً-

يأخذُها الحرْفُ لتشكِّلَ أعمى

يستَبيحُ براءَتها المستباحَةَ

الفعْلُ المضِارعُ ثانية يحكُمُ تضاريْسَ الهَواءِ..

هَلْ مِنْ فعلٍ آخر يشبِهُه؟؟



يا إلهي أتبصرني حينَ يلفظُ عقلِيَ أعْشَابَه الغضَّةَ؟؟

وحينَما يشرعُ المنْجَلُ في الحَصادِ!!


هذا الأبيَضُ اللعينُ يُلاحِقُ كفِّيَ المتَمَدِّدَةَ على شَاطئ المعْرفَةِ..

يُزعْزِعُ سكونِيَ المنتَفِضَ كرمَّانةٍ اهتزَّ عَرشُها

كَمْ عَرشاً ينبغي الوقوف عليه لأمضي؟؟


فعلُ السؤالِ سَابقٌ للخَلق

فَكيفَ نترُكُ الطفْلَ يخرقُ قانونَ اللعْبَة؟؟



زيوت عطرية


(الشكل الأول للبوح)



كما تخْرجينَ مِنْ عباءَةِ مِزْمَارٍ

يخرُجُ زنجيٌّ مِنْ كمِّ الوقْتِ

يلعقُ صمْتَه



تحتَفلينَ بِولادَةِ الحبَقِ

تأخذُكِ رائِحَةُ الطينِ إلى الذّروَةِ



ماذا يحوِّمُ في ساعِديكِ؟؟

أيُّ الطُّرقِ سترضَى بالمعْرفَةْ؟؟


الأَبديَّةُ بياضٌ غَامِقٌ

يُسيِّجُ الخرّوبَ المعلّقَ في خِلخَالِكِ

الطرقُ طاقَةٌ مغلقةٌ على الوشاحِ الذي كنتيه



رأسُكِ: دوّارةُ الرياح

تمشِّطُ الرمال تدفن المياهْ

طويلاً

طويلا



يرتَقي الوميْضَ فينقَطع بِكِ الوصل

يا عَابرةَ اللانهاياتِ

أنيخِي جِمالكِ

عزّ السير والقافلة قاحلة




(شكل آخر للبوح)


كما تخرجينَ من عباءَةِ مزمارٍ

يخرجُ هو مِنْ كمِّ الوقْتِ

يلعَق صمتَهُ



-هو يَضَعُ نبتَتَه ويرحَلُ

مشرعاً دائماً

غيرَ عابِئ

هي تفتَحُ إصبَعيها لالتقاطِ الـ..أَبَدْ



هو كَائنُ موتْ

وهي بوابَةُ بَعثْ

ملكوتُه معلَّق بينَ أفخذِ اليَمامِ

ملكوتُها مصْلوبٌ

على دَفتَرِ مواعيدْ-



هو

وردٌ يتجلّى

صافيَ الموقد كحدقَةٍ

يطلُّ ويبقَى معلَّقا في الرّقادِ

شتاءً منسياً

يأخُذُ الشِّراعَ .. ينتَصبْ خيمَةَ ألقٍ

يجرْجِرُ حواسها السبْعَ بين أصابِعِه

يشهِرُ صمتَه

مسيطراً كبَعلْ



يغزو المسافَاتِ المتآكِلةَ

يُشَعْشِعُ كَلغزٍ

مطلقاً قناعاته بأنَّ الأبديَّةَ بياضٌ غَامِقْ



يسمِّدُ حفرةً أكلَها الانتِظارُ

يخرجُ من عَبَثِ الحكاياتِ المصلوبَةِ في منفضةِ سجائِره



يبعثِرُ وَجعَ النجومِ الحالِكَةِ الصقيع

يرتَشِفُ ارتعاشتها المتواصلة

وكما حمامٍ زاجلٍ يمضي




صوتُه صَمتُه

تأخذُهُ الأرجَحَةُ لالتحافِ التردُّدِ

ويأخذُ المطَر ذريعة للتصالحِ مع الصّيفِ

يمضُغُ النِّعْناعَ كما يمضغُ التواءَها

على موعِدٍ كان مَعَ الحدودِ المسْتقيمَة




هندسةُ الأصابع لعبتُه

يخلْخِلُها على لَسْعِ التجرُبَةِ

يرقصُ حولَ الحريقِ طَاعناً الأرْض برجْعِ صوتِه

مُلبداً السحاب بحضورٍ منطفئ

يدحرجُه الشَّبقُ فيمعن في التحدّي




يقولُ له:

"كنْ شبكةَ بحْرٍ وانتظر الموسِمَ الغريبْ"



يقولُ لها:

"يا وردةً تحتَفِلُ بِولادَةِ الحبقِ

وتأخذُكِ رائِحةُ الطينِ إلى الذروة"



يقولُ لها:

"ماذا يحوّم في ساعديْكِ؟؟

أيّ طرقكِ سترضَى بالمعرفة"



يقول لها:

"يا عابرةَ اللانهايات أنيخي جِمالَكِ

أنيخي جَمالَكِ

فالكون أناخ

القلب أناخ




من ديوان "إلاي" الصادر مؤخرا في اسبانيا باللغتين العربية والاسبانية
خاص - فوضى

0 التعليقات

إرسال تعليق